مقابلة مع تلفزيون المنار
الجمعة، ٠٩ آب، ٢٠٠٢
(برنامج حديث الساعة)
إعداد عماد مرمل – 5/8/2005
بين أن يكون رئيساً لحكومة لا يتجاوز عمرها الأشهر الثلاثة وبين أن يكون نائباً لأربع سنوات، إختار نجيب ميقاتي الطريق الأولى التي أدخلته الى نادي رؤساء الحكومات ومنحته لقب دولة الرئيس الى الأبد.
ولعل ميقاتي كان يفترض في قرارة نفسه أن عهده لن يقف بالضرورة عند حدود الفترة الانتقالية وأن إمكانية تمديد إقامته في السراي الحكومي بعد الانتخابات هي امكانية كبيرة. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن ميقاتي فآلت رئاسة مجلس الوزراء الى غيره.
ولعله على المستوى الشخصي اقتنع بنصيبه وسلّم بما كتب له، إلا أن كثيرين قرأوا الأمر من زاوية مختلفة واعتبروا أن نجيب ميقاتي ذهب كبش فداء على مذبح الحسابات السياسية التي لم يحسب له مكان فيها.
معروف عنه أنه رجل معتدل يجيد اللعب بخط الوسط حيث المطلوب بشكل أساسي تمرير الكرة والربط بين أعضاء الفريق. حريص على أن يبقي خيوطه ممدودة بمعظم الاتجاهات حتى تلك المتناقضة فيما بينها. يتجنب الصخب في العمل السياسي ويميل الى التسويات بعيداً عن معارك كسر العضم حيث الخسارة مدوية والانتصار كاسح.
الليلة نستضيف دولة الرئيس نجيب ميقاتي مباشرة من منزله لنحاوره في تجربته كرئيس للحكومة وفي مختلف الشؤون التي تشكل حديث الساعة هذه الأيام.
* دولة الرئيس مساء الخير. من المعروف عنك كما أوصينا في المقدمة
- المقدمة لي بشأنها ملاحظات فأنا بدأت أول فصل في الكتاب في حكومة الثلاثة أشهر ولم أعتقد يوماً أنني أنجزت كل ما أتمناه للبنان واللبنانيين وبالتالي عندي الكثير لأعطيه.
* بشكل عام حاولت أن ارسم إطاراً عاماً لشخصيتك في المقدمة وقد شكلت رئاسة الحكومة جزءاً أساسياً من تجربتك في المرحلة الأخيرة. المهم أنه معروف عنك دولة الرئيس أنك تجيد ببراعة تدوير الزوايا والمواقف وأنك تستخدم عادة اللغة الرمادية في التعبير عن آرائك حتى لا تغضب أحداً. نتمنى عليك الليلة أن تكون أقل ديبلوماسية وأكثر شفافية خصوصاً أنك تحررت من حسابات الموقع الرسمي كرئيس للحكومة.
- إنني اضع دائماً نصب أعيني المصلحة اللبنانية وإذا كانت هذه المصلحة تقتضي أن اقول كل الواقع الموجود اقوله من دون أي تردد، أما إذا كانت المصلحة اللبنانية لا تقتضي، فاسمح لي فإنني سألجأ الى تدوير الرؤيا، كما تقول.
* لنبدأ، من الأمر الذي اقدمت عليه بالأمس حيث أنك قدمت الى المجلس الدستوري تصريحاً بأموالك. السؤال هل زادت ثروة نجيب ميقاتي قياساً الى ما كانت عليه قبل أن تتولى رئاسة الحكومة؟
- زادت كثيراً محبة الناس لي وهي الأهم لأنها غير زائلة. أما الأموال والأمور المادية فزائلة. وقد أجريت مراجعة لنفسي عندما وضعت التصريح بأموالي، وتبين لي أن محبة الناس لي زادت كثيراً والمسها في كل مكان أكون فيه. أما في الموضوع المادي فإنني قدمت التصريح ذاته الذي وضعته يوم أصبحت رئيساً للوزراء ولو تغير المضمون فبالتأكيد أن هذا الأمر ليس نتيجة أي عمل في لبنان، فنحن كعائلة أوقفنا منذ وقت طويل أعمالنا في لبنان، ولم تعد لدينا اي ارتباطات مهنية.
* من يضمن أن المسؤول يقدم جردة صحيحة وحقيقية بأمواله؟ هل هناك من طريقة ليتأكد المجلس الدستوري بأن هذا التصريح بالأموال هو فعلاً دقيق؟
- إذا أخذنا قانون الاثراء غير المشروع برمته فأعتقد أنه بحاجة الى إعادة نظر. فبالأمس قدمت كشفاً بأموالي فجاءني شخص بعد الظهر ولفت نظري الى أنني تقدمت بتصريح بصفتي رئيس للوزراء ويجب علي أن أتقدم بتصريح كنائب. واليوم اتصلت برئيس المجلس الدستوري وسالته هل هناك ضرورة لذلك فتردد وقال أن لا ضرورة لتقديم تصريح جديد ويمكن اعتماد التصريح نفسه. القانون برأيي غير عملي ويجب أن تكون هناك آلية أو هيئة معينة تتمتع بثقة جميع اللبنانيين تتولى الاطلاع على التصاريح المقدمة وتتابع مضامينها.
* هل تشعر بأنك خذلت عندما جرى الاستغناء عن خدماتك في رئاسة الحكومة بعدما أنجزت مهمة اجراء الانتخابات؟
- بصراحة لم يكن عندي هذا الشعور لأنني لم أتلق أي وعد. كان يمكن أن تقول أنني خذلت لو كان هناك أحد خذلني، لكن أعتقد أنني ربحت لأنني نجحت في المهمة التي حددتها في البيان الوزاري ونلت على اساسها الثقة وردة الفعل الايجابية عند المواطنين.
أما في ما يتعلق بما طرحته فلا أحد وعدني بشيء ولا أنا كنت أنتظر اي وعد والأكثرية النيابية الجديدة سمت رئيساً جديداً للحكومة. أنا من الأشخاص الذين يعتقدون أن الاحتكار مرفوض في السياسة والعمل العام والمناصب، وأن تداول السلطة مسألة صحية وضرورية جداً وبالتالي علي أن اقبل اللعبة الديمقراطية على نفسي كما قبلتها لنفسي.
* أنت لم تأخذ فرصتك بشكل كامل وفترة شهرين ليست شيئاً في حسابات الحكم. لهذا السبب ربما في قرارة نفسك كنت تراهن على أن رئاسة الحكومة ستعود إليك. ما حال دون ذلك؟
- يعرف اللبنانيون ما هي الانجازات التي قامت بها الحكومة في فترة الشهرين أو الثلاثة أشهر، سواء لجهة نوعية الانجازات أو كميتها. وإذا عدنا الى الذاكرة الماضية، قبل اربعة اشهر لتذكرنا في اي نفق كنا سندخل وكيف استطعنا من خلال ادارة سياسية جيدة وعمل جيد أن نصل الى ما وصلنا إليه حالياً.
هل تسأل إذا كنت أعتقد أنني عائد الى رئاسة الحكومة، ربما كنت أعتقد أنني عائد لكن ليس فوراً. لكنني لا أعتقد ولا أحب أن أقتنع أننا أنجزنا كل ما يلزم، إذ لا يزال لدينا الكثير من العمل والمواطن لا يزال بحاجة الى الكثير.
* هناك من يقول أن آل الحريري هم الذين خذلوك ووضعوا فيتو على عودتك الى رئاسة مجلس الوزراء. هل لديك شعور من هذا القبيل؟
- كان يمكن أن يكون عندي شعور بهذا الأمر لو أنني تلقيت وعداً من أحد. لم يحصل أي حديث في اي وعد حتى اشعر أنني خذلت، ولم أتلق أي وعد من أحد وخلال فترة حكمي لم يقل لي أحد أنك ستبقى رئيساً للحكومة. أنا عندما أعمل اضع نصب أعيني أهدافاً محددة وخلال عملي الماضي وضعت نصب أعيني مصلحة لبنان، وبالتالي لم أفاوض أحداً ولم أساوم على أي أمر.
* لقد التزمت بمعظم التعهدات التي قطعتها؟
- كلها وقمنا بمسائل إضافية (إكسترا).
* هذه التعهدات كنت قطعتها للمعارضة في حينه وعلى راس هذه المعارضة آل الحريري. ومن هذه الوعود تشكيل حكومة حيادية واجراء الانتخابات في موعدها وعدم الترشح للانتخابات وإعادة النظر بوضع الأجهزة الأمنية والاسراع في مواكبة عمل لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
- كما وضعنا ما يسمى ميثاق بيروت.
* بما أنك التزمت ونفذت كل هذه التعهدات، ألم يكن من المفترض أن تكافأ على ذلك وأن يقال لك أنه يجب تمديد عهدك فترة أخرى لأنك وعدت ووفيت؟
- هذه اصول اللعبة السياسية والسياسة قضت بذلك، وهناك أكثرية نيابية قررت ذلك.
* ألا تشعر بالمرارة لأنه لم يحصل ذلك؟
- لا اشعر بمرارة أو بالخديعة بل أتمنى ألا يكون مَن اتخذ القرار قد أخطأ في خياراته.
* أي قرار؟
- قرار اختيار هذه الحكومة في هذا الظرف بالذات حيث لا يزال لبنان في فترة انتقالية تتطلب شخصاً لا يكون طرفاً في سدة المسؤولية، وليس بالضرورة أن أكون أنا، بل أن يكون لفترة انتقالية لنقل لبنان من مرحلة الى أخرى. ولا يزال أمامنا الكثير من الاستحقاقات على الساحة اللبنانية وأهمها التحقيق الدولي الذي تتولاه لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
* كنت تفضل ألا يأتي الى رئاسة الحكومة شخصية لها لون سياسي واضح؟
- أنا أتحدث من منطلق سياسي بهذه المرحلة بالذات، على غرار مرحلة الانتخابات التي تطلبت شخصاً حيادياً. في هذه المرحلة الانتقالية، الى حين انتهاء الاستحقاقات المنتظر على الساحة اللبنانية، كنت افضل أن يكون هناك شخصية حيادية.
* ما هي محاذير ومخاطر الاتيان بشخصية لها لون واضح كما هو حال الرئيس السنيورة؟
- أترك للأيام أن تبين ما هي المخاطر، وأتمنى أن أكون مخطئاً في تقديري لأنني في النهاية أتطلع الى مصلحة البلد وليس مصلحة الأشخاص. أنا لا أحكم على الأشخاص مع احترامي لكل أعضاء الحكومة وفي مقدمهم رئيس الحكومة ولكن كانت هناك في هذه المرحلة الانتقالية ثلاثة استحقاقات اساسية هي الانتخابات النيابية، تقرير اللجنة الدولية وانتهاء عهد الرئيس اميل لحود.
المرحلة الانتقالية يفترض أن تبقى انتقالية تأسيسية للمستقبل على أن تتولى الأكثرية بعد ذلك زمام الحكم والمسؤولية.
هناك حتى الآن ورقة مستورة تتعلق بالتحقيق في اغتيال الرئيس الحريري، ونترك للأيام أن تكشف ما هو مخفي وان شاء الله أكون مخطئاً في تقديري ان الورقة المستورة، عندما ستفتح، ربما لن تكون كما نشتهي وعندها ربما تجري الرياح عكس ما تشتهي السفن كلها.
* هل أنت متشائم في نظرتك الى المستقبل؟
- هناك أوراق لا تزال مستورة ولا أعلم ماذا تخفي، ولا يمكن منذ الآن التكهن بمضمونها.
* ما ردك على القائلين بأنك استخدمت لتقطيع مرحلة انتقالية؟ بمعنى آخر يقال أنك لم تكن خياراً اصيلاً لرئاسة مجلس الوزراء بل خيار الضرورة؟
- كلمة الاستخدام مشتقة من كلمة خدمة وأنا أخدم بلدي اينما كنت. لا أطلق في هذا الموضوع شعارات ونعم الاستخدام إذا كان لمصلحة وطني، وأنا أشكرهم إذا استخدموني لأنني أعتقد أنني استطعت نقل البلد من مكان الى آخر في وقت كان من الصعب فعل ذلك، وضحيت في سبيل ذلك بالنيابة وبكل أمر آخر وقلت أن هذا ما يجب أن يحصل. ويشهد الجميع للحكومة التي ترأستها بمناقبيتها واستطعنا جميعاً أن نمرر هذه المرحلة. وإذا كنت تعتبر هذا الأمر استخداماً فشكراً لمن استخدمني لأنه أتاح لي الشرف أن أخدم بلدي في هذه المرحلة.
* ربما تكون كذلك حققت مصالح "من استخدمك"؟ هل تقبل بهذا الأمر؟
- أنا اقبل بخدمة بلدي ولم أقم إلا بما تمليه علي قناعتي، ربما من تقول أنه استخدمني رأى عندما توليت مهام رئاسة الوزارة أنني لم أخدم سوى قناعتي ولم أحقق له مصالحه مئة في المئة. اذن أنا لم افعل سوى قناعتي.
* ألم يكن من الأفضل لك أن تستمر نائباً لأربع سنوات بدل أن تتولى رئاسة الحكومة لثلاثة اشهر؟
- أنا لست نادماً على ما حصل والرأسمال الأكبر عندي هو محبة الناس وثقتهم. هذه الأمور بالنسبة إلي مهمة جداً كانسان عاطفي وقد أعلنت للناس ولكل أهلي في طرابلس أنني لا أزال موجوداً في العمل العام وأكثر التصاقاً بالناس ومشاكلهم سعياً الى خدمتهم من دون اي تردد.
* بالأساس كيف وصلت الى رئاسة الحكومة، وفق أي صفقة؟ يقال أن واشنطن وباريس والرياض هي التي مهدت الطريق أمام وصولك الى السراي الحكومي من دون أن تمانع دمشق في ذلك. هل تقبل ان تأتي نتيجة تقاطع اقليمي- دولي وليس نتيجة ارادة لبنانية صرف؟
- نحن لسنا غريبين عن الواقع، فلبنان يخضع دائماً للتجاذبات الدولية، أنا لا اقول أنه كان لهذه الدول دور، بل أن الواقع تقاطع مع تلاقي هذه التجاذبات الدولية ومع الرغبة اللبنانية. وأنا نظرت الى الأمر من منطلق مصلحة وطني.
* هذا الكلام أليس تلطيفاً للتدخل الأجنبي وللوصاية الأجنبية على لبنان؟
- لم نصل الى الوصاية بل كان هناك حسن قراءتنا للمعطيات الدولية، واقول هذا الكلام بتواضع، تقاطعنا مع رغبة المواطنين لمصلحة الوطن، وهذا ما أدى الى ما حصل.
* لماذا إلتقت كل هذه الدول على تسميتك لرئاسة الحكومة؟
- أنا لم آت من العدم بل مضى 15 عاماً على وجودي في العمل العام سواء في المجال الاقتصادي ومن ثم كوزير منذ العام 1998 ثم كوزير ونائب لفترة اربع سنوات ونيف إضافة الى الصفات المعروفة عني كالاعتدال والغيرة على وطني. ورغم كل معارفي وعلاقاتي، يعلم الجميع أنني اضع مصلحة لبنان في المرتبة الأولى ولا يمكن أن تؤثر على هذه المصلحة، لا صداقة ولا اي أمر آخر. وأنا مقتنع بأن ما فعلته اليوم، وهذا ايضاً ما يجمع عليه المجتمع الدولي واللبناني، هو الصواب.
* عملياً فان كلمة السر السورية استبدلت بكلمة سر أجنبية تحمل جنسيات أخرى. لو لم توح هذه العواصم بضرورة مجيء نجيب ميقاتي الى رئاسة الحكومة، هل كان النواب اللبنانيون قاموا بتسميتك في خلال الاستشارات؟
- اقول بصراحة أنه ليس لدي اي اتصال مع اي عاصمة من العواصم التي ذكرت. بعد توليّ رئاسة الحكومة اصبحت لدي علاقة مع العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية، أما مع سائر الدول فليست لدي أي علاقة أو اتصال. ربما هم يعرفون صفاتي وهي الاعتدال والتوازن.
* لماذا كلمة السر تأتي دائماً من الخارج؟ ألا يدرك النواب اللبنانيون هذه الصفات؟
- لأول مرة بعد سنوات كانت هناك معركة على رئاسة الوزارة. وحتى اللحظة الأخيرة لم يكن أحد يعرف من هو رئيس الحكومة. وبالتالي فان الديمقراطية مورست بابهى حللها في تسميتي رئيس للحكومة.
* قيل أنه قبل تسميتك لرئاسة الحكومة تمت بزيارة غير معلنة الى دمشق والتقيت الرئيس بشار الأسد. وقيل أنك أوفدت شقيقك طه ميقاتي الى باريس حيث التقى هناك مسؤولين فرنسيين. وقيل ايضاً أنك كنت على تواصل دائم مع جوني عبده. كل هذه المقدمات سبقت وصولك الى رئاسة الحكومة؟
- أولاً أنا لي الشرف دائماً بزيارة دمشق لكن صادفت أن المرة الأخيرة التي زرت فيها دمشق كانت قبل ثلاثة أسابيع من تسميتي رئيساً للحكومة. وكلنا نعرف أين كانت دمشق في الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة. أما في ما يتعلق بشقيقي فهو مقيم، في معظم الأوقات في باريس، ولا يعرف أي مسؤول فرنسي، ويوم التكليف التقى الشيخ سعد الحريري في فرنسا وتحدثا في الموضوع.
أما سعادة السفير جوني عبده فليس لي اي معرفة شخصية به، لا من قريب ولا من بعيد، رغم أنني أتشرف بالتعرف عليه. وليس لي اي علم أن له دور في هذا الموضوع، وإذا كان له دور فربما هو يعرف، من خلال معلوماته الكثيرة، صفاتي.
* أنت تفتخر بأن الاننتخابات النيابية الأخيرة هي انجاز كبير لك على المستوى الشخصي ولحكومتك ككل؟
- من الناحية التنفيذية الاجرائية وليس من الناحية التشريعية.
* في المقابل يعتبر الكثيرون أن هذه الانتخابات كانت الأسوأ في تاريخ لبنان، هل توافق على ذلك؟
- القانون الانتخابي كان سيئاً ولذلك فالنتيجة التي جرت ليست كما اشتهي، وما يقال صحيح في جزء منه، ولكن أنا كرئيس للسلطة الاجرائية كان علي اجراء الانتخابات، وقد حذرت مراراً من القانون الانتخابي وقلت أننا لا يمكن في الوقت الضاغط أن نرسل مشروع قانون جديد الى مجلس النواب. وقبل اعداد البيان الوزاري، زرت الرئيس بري واتفقنا على تأخير مهل دعوة الهيئات الناخبة فترة وتشكيل لجنة نيابية حكومية للبحث في قانون انتخاب جديد. وعندما طرحنا الأمر في مجلس النواب تم الاعتراض عليه وقيل أننا نقوم بهرطقة دستورية، في وقت مضت فترة أكثر من اربع سنوات ولم يبحث مجلس النواب في تعديل القانون ويريدون منا في فترة يومين أن نرسل مشروعاً جديداً.
* ألم يكن ممكناً تجيل الانتخابات بعض الوقت للتوصل الى اتفاق على قانون يرضي معظم اللبنانيين؟ ويؤخذ عليكم أنكم خضعتم للضغوط الدولية التي مورست من أجل اجراء الانتخابات في مواعيدها وبأي قانون كان، لماذا التزمتم بالروزنامة الدولية؟
- هذا باعتقادي هو حسن الادارة السياسية. فنحن كنا نعرف حجم الضغوطات الدولية والأنظار الموجهة نحو لبنان والاصرار على اجراء الانتخابات في مواعيدها. لو كنت متأكداً أن المجال متاح لاعداد قانون جديد للانتخابات في فترة شهر ربما لكنت وافقت على طرح التأجيل، لكن كانت عندي قناعة أننا كنا سندخل في المجهول حتماً لو تم تأجيل الانتخابات، وكان ذلك سيؤدي أكثر فأكثر الى التدخل الدولي في لبنان على غرار ما صدر من قرارات عندما قمنا بالتمديدات الماضية.
* في ضوء نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة هل تعتقد أن الزعامة السنية آلت الى آل الحريري حتى اشعار آخر؟
- إذا أخذنا مسار الأوضاع منذ العام 2000 ونتيجة خروج الرئيس رفيق الحريري من الحكم والعطف الذي أخذه، ثم نتيجة الانتخابات العام 2000، لتبين لنا أن الزعامة السنية كانت في حينه للرئيس الحريري.
وفي الانتخابات الأخيرة، كانت هناك عاطفة كبيرة لآل الحريري بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإذا اردنا النظر الى ترجمة هذه العاطفة انتخابياً لتبين أن الموضوع اليوم بيد آل الحريري. ولكي أكون منسجماً مع نفسي اقول أنه حتى في طرابلس كنت اقول أنني ضد الأحادية السياسية وأحادية القرار خاصة داخل الطائفة السنية. ولذلك فان عندي مجموعة من الأسئلة أولها هل أن ما حصل هو لمصلحة لبنان ولمصلحة السنة؟؟ وهل هو لمصلحة من يتراس اليوم هذه المجموعة السياسية؟
* كيف تجيب على هذا السؤال؟
- الأمر يتطلب نقاشاً واسعاً.
* لكن عندك على الأقل مشروع جواب؟
- في انتخابات العام 2000 وما بعدها كنت في طرابلس أنتقد الأحادية في القرار والاقطاعية. اليوم أنا أتحدث عن واقع وصول الزعامة السنية الى ما وصلت إليه، ولكن السؤال الذي أطرحه هل هذا الأمر لمصلحة لبنان والسنة وهذه العائلة بالذات.
* ماذا تقول؟
- الأمر يحتاج الى نقاش ولا اريد الاجابة بتسرع.
* الموضوع ليس ابن ساعته ومن المؤكد أنك ناقشته في قرارة ذاتك؟
- النقاش يحتاج الى ساعات فلنتركه الى حلقات أخرى.
* يبدو أنك لا تريد الاصطدام بسعد الحريري؟
- ليس الأمر كذلك.
* أنت ضد الأحادية في التمثيل ومع التنوع؟
- أنت لم تسألني إذا كنت ضد الأحادية بل سالتني إذا كانت الزعامة آلت الى آل الحريري، وجوابي أنه نعم آلت الزعامة الى آل الحريري.
* هل أنت ضد الأحادية في التمثيل؟
- نعم. وأنا مع الديمقراطية التي تمت ترجمتها لمصلحة فئة معينة ولكن هل هذا الأمر هو للمصلحة العامة؟ أنا أشكك بذلك ولبنان قوته هي في تعدديته وليس في أحاديته. المهم أحياناً أن ترعى الخصم لأن هذه هي اللعبة السياسية، وإذا انتفى الخصم فمع مَن ستلعب؟ ومن الضروري أن يبقى الخصم تحت مراقبتك وأعرف أن كثيرين من السياسيين في لبنان كانوا دائماً أسياداً في هذه اللعبة. ويقال أن الزعيم كمال جنبلاط كان يقول "من الضروري أن يبقى هناك أحد لألعب معه، على أن يبقى تحت مراقبتي".
* هناك نظرية تقول أن من يعمل في الشأن السياسي ليس فاعل خير أو صاحب جمعية خيرية وإذا استطاع أن يزيح خصمه فلن يتردد.
- لم نصل بعد الى النظام الأكثري في لبنان. وأنني أحذر من اعتماد منطق "أنا أملك الأكثرية وأنت عندك الأقلية".الأقلية تبدأ من داخل الطوائف ومن ثم تمتد الى داخل التركيبة اللبنانية.
* لكن هذا ما أفضت إليه الانتخابات التي جرت في عهدك؟
- أنا سلطة اجرائية وأجريت الانتخابات حسب القانون النافذ وبالتالي أكرر القول أنني لست راضياً، لا على القانون ولا على نتيجة الانتخابات.
* كنت تعلم أن قانون العام 2000 سيفرز هذه النتائج ومع ذلك قبلت باجراء الانتخابات؟
- لم أكن اقدر ردود الفعل التي حصلت في جبل لبنان نتيجة انتخابات الجنوب، ولم أكن اقدر ردة الفعل في انتخابات الشمال على انتخابات جبل لبنان. ربما كان يقتضي اجراء الانتخابات كلها في يوم واحد حسب ما ورد في توصية بعثة الاتحاد الأوروبي.
* هل تشعر بأن زعامة آل الحريري أو سعد الحريري حالياً لها مقوماتها الموضوعية، أم أنها تكونت بفعل ظروف استثنائية على خلفية استشهاد الرئيس رفيق الحريري؟
- الرئيس رفيق الحريري كانت له مقومات الزعامة ومارسها تماماً. أما الحديث عن أخينا سعد فهناك ظروف معينة أوصلت الى ما أوصلت إليه، وأن أداءه سيثبت هذا الأمر وباذن الله باستطاعته أن يثبته.
* ولكن في المرحلة السابقة فان العواطف هي التي صنعت الزعامة؟
- طبعاً، فمن يعرف سعد بشكل كبير لا نزال نسير في مسار المد الشعبي الذي أعقب استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبالتالي فان أداءه ومساره هو الذي سيقرر مستقبل هذه الزعامة التي نتمنى لها كل الخير.
* ألا يشكل انتصار تيار المستقبل في الانتخابات خطراً على مواقع شخصيات أخرى كنجيب ميقاتي؟ وهل تشعر أنك مهدد الآن في الشارع السني؟
- لا اشعر أنني مهدد طالما أنني على علاقة جيدة مع الجميع.
* لكن العلاقة الجيدة مع الجميع لا تبني زعامة؟
- لا يمكن أن أهاجم الاقطاعية وزعاماتها ثم أعود لأقول أنني اريد أن أكون اقطاعياً وزعيماً. أنا عندي طريقتي التي تقضي بأن أكون على علاقة مع الجميع وأن أتفهم الجميع، كما أن المواطن اللبناني لا يهمه الزعيم أو ذاك بل يتطلع الى ما يحقق له عيشاً كريماً.
* لكن ظهر في الانتخابات أن الزعامات الكبرى هي التي تحكمت بقواعد اللعبة؟
- اذن أنت تريد زعامات عاطفية.
* الواقع كيف هو؟
- الواقع أن الزعامة عاطفية. إذا أردت أن تصبح زعيماً يجب أن تكون هذه الزعامة مستمدة من علاقة التوازن والاعتدال التي هي سمة من سمات لبنان. الشيخ سعد الحريري تكرم واستضفته هنا في المنزل وتبادلنا الرأي بكل طيبة خاطر. وكنت سالتقيه يوم الاثنين الفائت ولكن بسبب اضطراره للسفر الى المملكة العربية السعودية أرجىء الموعد، وفور عودته سنجتمع ونحن مستمرون في علاقتنا الاجتماعية والصداقة. المهم أن يرتقي البلد الى ما أراه أنا مناسباً كائناً من يقوم بذلك. المسالة ليست مسالة اشخاص.
* ولكن سعد الحريري الغى الزعامات السنية الأخرى في الانتخابات، وأنت تقول أنك ضد الأحادية. وهذا الأمر يفترض نظرياً أن تكون على تناقض معه؟
- الأحادية يلغيها تماماً بالأداء الذي سيكون عليه في المستقبل، إذا كان سليماً. أما إذا كان الأداء خاطئاً فسنقول ذلك ويكون هو مَن أعاد فتح المجال للزعامات السنية الأخرى. إذا كان أداؤه جيداً، فله منا كل الدعم، ومقياس الأداء هو المصلحة الوطنية ومصلحة لبنان ارضاً وشعباً، مع التركيز على العمق العربي. السنة يجب أن يستوعبوا الجميع لا أن يكونوا طرفاً.
* هناك بيوتات سياسية عريقة على الساحة السنية كبيت سلام وبيت كرامي وبيت الحص وآخرين، هل يجوز أن تقفل بهذا الشكل؟
- الناس عبرت عن رأيها في الإنتخابات، وعلينا، إما القبول بالديمقراطية أو لا . هناك أشخاص كثيرون سقطوا في الانتخابات ونأسف لسقوطهم لأنهم ثروة في المجلس النيابي، ولكن هذه إرادة الناس.
* البعض يقول أن الذين انتصروا في الانتخابات استخدموا أساليب غير مشروعة في نوع التجييش الطائفي والعامل المالي مما اثر على مزاج الراي العام. ولو كانت الانتخابات نزيهة بالكامل لربما كانت النتائج مختلفة؟
- على مر تاريخ الانتخابات في لبنان، استعملت قبل اسبوعين من موعدها كل الوسائل والأدوات المتوافرة.
* هذا الأمر غير مشروع.
- ليس أمراً غير مشروع.
* هل هو أمر مشروع شراء الأصوات؟
- متى لم يحصل في لبنان شراء اصوات.
* لكن هل هذا مسموح؟
- أكيد أنه غير مسموح، لكن أن أتحدث عن استعمال الأسلحة السياسية كالمواقف وتجييش العاطفة والتجييش الطائفي. إذا كانت الناس تقبل أن يتم تجييشها بهذا الشكل فما ذنب القانون.
* الطبقة السياسية التي خاضت الانتخابات استخدمت اسلحة غير مشروعة لتربح. هل هذا جائز في المعنى الوطني؟
- هناك شخصيات سياسية كانت رمزاً للاصلاح ومحاربة الفساد سقطت وشخصيات أخرى كانت رمز الخدمات على مدار اليوم سقطت، وهناك شخصيات سياسية بكل ما للكلمة من معنى سقطت، هناك رموز مارونية بالذات وعربية الطابع سقطت، هذه هي الانتخابات.
*هذا قانون الانتخاب الذي سرت فيه انحناء أمام العاصفة الدولية.
- لكل قضية تكلفة معينة.
* أنت تتحدث الآن كرجل أعمال؟
- عليك أن ترى كيف تجد اقل خسائر. أنا لا أتحمل مسؤولية القانون لأنه موجود بل أتحمل مسؤولية اجراء الانتخابات.
* لو تم تأجيل الانتخابات لكان القانون تغير؟
- لكانت الكلفة أكبر بكثير ولما كنا نجلس هنا اليوم.
* ماذا كان يمكن أن يحصل؟
- كانت الكلفة أكبر كثير وأترك التفاصيل لوقت لاحق. وهذا الجواب هو على طريقة تدوير الزوايا.
* الآن هناك حكومة برئاسة فؤاد السنيورة وأنت اعتبرت أن البيان الوزاري لهذه الحكومة فضفاض جداً. والسؤال هل أن استبعادك عن رئاسة الحكومة هو الذي دفعك الى اطلاق هذا الموقف النقدي تجاه البيان الوزاري؟
- لا ارى رابطاً بين الأمرين خصوصاً أن الرئيس السنيورة بنفسه وفي رده على كلمات النواب في ختام جلسات الثقة اقر أن هذا البيان الوزاري طموح وأنا اريد في هذا الأمر أن أنطلق من مسألتين.
أولاً: لقد تعلمت من اللبنانيين وجوب أن يكون المسؤول صادقاً معهم ويعطيهم وعوداً قليلة قابلة للتطبيق افضل من أن يعطيهم وعوداً كثيرة ولا ينفذ منها سوى القليل. أيضاً لقد تذكرت من خلال قراءة البيان الوزاري كتاباً للدكتور صليبي بعنوان "منزل في بيوت كثيرة"، وكأن هذا البيان شقق مفروشة وعبارة عن تركيبات.
كما تذكرت حادثة أخرى حصلت معي شخصياً وترحمت على الِشخص المعني بها. ففي مدينة طرابلس طبيب معروف اسمه أكمل خربطلي، وفي احدى المرات كنت برفقته في السيارة ذاهبين الى احدى المعاينات. وعلى الطريق أوقفنا حاجز للقوات السورية في طرابلس، الدكتور خربطلي يضع عادة تذكرة الهوية في كيس من النايلون وأخذ وقتاً لاخراجها. ولكن العسكري لم يهتم للهوية بل ساله عن سبب الوجع الذي يصيبه في رأسه.. فأجابه الطبيب ربما بسبب اذنيك أو الحنجرة أو العينين أو الأنف أو الكليتين … وعندها أعاد إليه العسكري تذكرة الهوية وأكملنا سيرنا. وبعد وقت قصير قلت للطبيب كيف تخيف المريض بهذا الشكل فأجابني: أرجعني إليه فقد نسيت أن أقول له أنه ربما يكون مصاباً بالسرطان.
ان الوصفة التي قرأتها في البيان الوزاري لم أجد أنها ناتجة عن تشخيص صحيح؛ البيان الوزاري تضمن 151 وعداً من ضمنها فقرة تقول "أن هذا البيان هو بيان العودة الى الدستور"، فهل نحن كنا خارج الدستور لنعود إليه، واستطراداً هل العودة الى الدستور تكون بمخالفة الدستور! أول مخالفة حصلت هي في مسالة انعقاد جلسات مجلس الوزراء مداورة بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي.
فالمادة 65 من الدستور تقول أنه يجب أن يتم انشاء مقر خاص لانعقاد جلسات مجلس الوزراء.
* أيهما أهم الدستور أم حياة الرئيسين اميل لحود وفؤاد السنيورة اللذين قالا أن أسباباً أمنية دفعتهما الى اعتماد هذا العلاج المؤقت؟
- هل من الممكن أن يقول رئيسا الجمهورية والحكومة أنهما لا يذهبان الى مكان ما خوفاً من الوضع الأمني؟ إذا كان المسؤول يقول ذلك فكيف سيأمن المواطن للذهاب الى عمله. هذا عذر اقبح من ذنب. اين هي المخاطر الأمنية ونحن منذ العام 1999 نعقد جلسات مجلس الوزراء في مقر خاص.
* لكنك تعلم أنه منذ أشهر حتى اليوم تتوالى عمليات الاغتيال في البلد؟
- أنا كرئيس حكومة، كنت أنام في السراي الحكومي، عندما كنت اشعر بخطر ما ولكن ولا مرة قلت للبنانيين انني نمت في السراي لأنني خائف على نفسي.
هل كنت تنام في السراي؟
- كنت أشعر في مرحلة ما أنه يمكن تعطيل كل الانتخابات في حال حصل فراغ في سدة رئاسة مجلس الوزراء، وربما هناك من يريد تطيير الانتخابات.
كم عدد الليالي التي نمت فيها في السراي؟
- أيام قليلة.
* كيف كانت النومة؟
- مريحة جداً.
* أصلاً مهمة البيان الوزاري هي استشراف المستقبل وليس فقط تشخيص الواقع، لماذا تلوم الرئيس السنيورة على هذا البيان الوزاري والذي ضمنه طموحاته وهذا أمر مشروع؟
- من المستحيل أن يتم تنفيذ 150 وعداً. وبدلاً من أن تقول أننا سنعالج الفقر والبطالة، كما ورد في البيان، كنت أتمنى لو ذكروا لنا كم فرصة عمل سيوفروا في الأشهر الثلاثة المقبلة.
هل مضمون البيان الوزاري يرتكز على الاشارة الى أن الحكومة ستقوم بتركيب أعمدة كهربائية. من صلب مهام الحكومة، أن تقول مثلاً ما هي خطتها لتطوير قطاع الكهرباء وليس الدخول في التفاصيل التي دفعتني الى القول أن البيان فضفاض. لو كان البيان الوزاري مقتضباً أكثر واستغرقت قراءته حوالي عشر دقائق لما كانت تغيرت نسبة الثقة قيد انملة، بل لكانت الحكومة أخذت ثقة وحبة مسك.
* لماذا تشكك اصلاً في قدرة الحكومة على الايفاء بوعودها قبل أن تمنحها فرصة؟
- كان الظرف الذي تحدثت فيه عبارة عن مناقشة للبيان الوزاري، وأنا علقت على هذا البيان. وبالأمس قلنا أن انطلاقة الحكومة جيدة وأن الخطوة التي قام بها الرئيس فؤاد السنيورة بزيارة دمشق واعادة الجسور وازالة هذه الغيمة السوداء بين البلدين عمل جيد في مكانه وأنا أثني على ذلك. لا توجد لدي موالاة أو معارضة عمياء وأنا لست معهم أو ضدهم بل انني مع لبنان.
* البيان الوزاري لحكومتك ألم يكن فضفاضاً؟
- استغرق حوالي 12 دقيقة من القراءة وكان عبارة عن اربع صفحات ونصف الصفحة. وقد نفذنا كل ما وعدنا به وزيادة عليه.
* لأنك كنت رئيساً لحكومة انتقالية معروفة مسبقاً مدة ولايتها؟
- لن أقول لك كيف كنت سأعد البيان الوزاري لو استمريت في رئاسة الحكومة. كنت سأعد البيان الوزاري في اقل من 5 صفحات، وأضمنه وعوداً معينة تهم اللبنانيين والمجتمع الدولي. هناك الكثير من المقاطع التي وردت في البيان تمت صياغتها بلغة أدبية معينة ثم تنتقل في فقرة تالية الى مدرسة أدبية أخرى. أنا حتى الآن لم افهم ما هو المقصود بتعبير " القرية اللبنانية الكونية " والحديث عن 15 مليون لبناني منتشر في العالم، هل هؤلاء سأدعوهم جميعاً للعودة الى لبنان.
أضاف: لقد انتهت مسالة البيان الوزاري ونحن اليوم سنقوم أداء الحكومة ونثني على الجيد ونلفت النظر الى السيء. إن البيان الذي قرأه الرئيس النسيورة بعد مناقشة البيان الوزاري هو افضل بكثير من البيان الوزاري لأن فؤاد السنيورة أعده وكان بياناً واضحاً.
* من الطبيعي أن يكون البيان الوزاري مركباً لأنه يعكس تركيبة الحكومة الائتلافية؟
- ربما يعكس البيان عدم انسجام الحكومة في أي قرار أو اجراء قد تتخذه في المستقبل. اذن هذا البيان هو نوع من مرآة لما يمكن أن يحدث في المستقبل.
* ما رأيك في التشكيلة الوزارية؟
- إنها جيدة وكل الوزراء بما فيهم الرئيس جيدون بأشخاصهم، ولكن عندما وضعوا في تركيبة واحدة فان هذا الأمر انعكس في البيان الوزاري بصورة غير جيدة، وأنصحك بأن تسال الوزراء عن المعاناة التي رافقت وضع البيان الوزاري وحتمت تدويراً للزوايا.
* لو أنك كلفت بتشكيل الحكومة الحالية، هل كنت ستوقع على مرسوم تشكيلها؟
- هذا سؤال افتراضي ولكن طالما أن المرحلة التي نعيشها انتقالية كنت افضل أن تكون من خلال المجيء بوزراء سياسيين لكن من خارج الندوة البرلمانية. ورهاني اليوم على الرئيس السنيورة لأنه من خارج الندوة البرلمانية أن يتخذ القرارات الصعبة في هذه المرحلة.. وأخشى ألا يسهل الوزراء من النواب مهمة الرئيس السنيورة في هذه المرحلة. هناك قرارات صعبة وسريعة مطلوبة.
* أنت تتوقع ألا يدوم التعايش بين الوزراء داخل الحكومة؟
- ربما يدوم التعايش لكن لا يدوم تحقيق الانجازات المطلوبة في هذه المرحلة والتي ترضي طموحات اللبنانيين.
* الى اي حد يمكن أن يتعايش الرئيسان لحود والسنيورة؟
- هذا الموضوع مرتبط بالرئيسين.
* كيف كانت تجربتك مع الرئيس لحود؟
- منذ الجلسة الأولى معه قلت له أنني اريد التعاون معه على أن يكون الدستور هو الحكم بيننا.
* لكنك في حديث اذاعي قلت أنه كيف هناك تباينات بينك وبين الرئيس لحود. ما سبب الخلاف؟
- حصلت تباينات مرات عدة مع الرئيس لحود، وليس مطلوب أن نكون من راي واحد لأن التنوع مصدر غنى.
* على ماذا كان يدور الخلاف؟
- حصل على بعض مواضيع معينة من بينها التعيينات.
* هل كان الخلاف بينكما على المعايير الطائفية؟
- نعم كان هذا سبب الخلاف. فأنا كنت ولا أزال عند رأي اعتماد المداورة الكاملة في التعيينات وأن يتم اختيار الشخص الأكفأ في المركز، ولكن لضيق الوقت ولأن الأولويات كانت مختلفة عن المرحلة الراهنة أرتأينا ألا نقترب من ملف التعيينات. وأتمنى أن تستطيع الحكومة الحالية خوض هذا الغمار وتختار الأكفأ مع المحافظة على النسبة ذاتها في توزيع وظائف الفئة الأولى طائفياً.
* في عهد حكومتك استمر الفلتان الأمني، إذا جاز التعبير، من خلال تعدد عمليات الاغتيال. وأنتم متهمون بأنكم سحبتم عصب الأجهزة الأمنية، الأمر الذي جعل البلد مكشوفاً. هل هذا الاتهام صحيح؟
- لم تكن المسألة عبارة عن سحب عصب الأجهزة الأمنية بقدر ما كانت تتلخص بالفراغ داخل الأجهزة الأمنية بعد الانسحاب السوري من لبنان.
* قمتم باجراء تشكيلات ومناقلات.
- ليس الأمر مرتبطاً بشخص رغم أهمية القيادة، بقدر ما أننا وجدنا أننا لا نملك الأجهزة المطلوبة لاستباق الحدث الأمني، أي الأمن الوقائي، أو للتحقيق عند حصول الجريمة. ولهذا السبب فقد استعنا بأجهزة أمنية خارجية لمساعدتنا.
* لكنكم استعنتم أيضاً بأجهزة التحقيق الفيدرالية الأميركية؟
- كان هدفنا اكتشاف الجناة وإظهار جدية في التحقيق.
* هل كشفت الأجهزة الأميركية جرائم ما ؟
- عندما تركت رئاسة الحكومة كانت لدي معلومات أنه تم التوصل الى كشف خيوط أساسية في جريمتي اغتيال سمير قصير وجورج حاوي ولكن لم أعد أتابع التحقيقات.
* لماذا وصلت العلاقات اللبنانية السورية الى المأزق الراهن؟ ومن يتحمل مسؤولية تصدعها بهذا الشكل؟
- دمشق وبيروت.
* بنسب متساوية؟
- ليست المسألة حادث سير تتحدد في ضوئه نسب المسؤولية، بل مسالة سياسية بشكل عام، تم الاقرار بها من قبل القيادتين اللبنانية والسورية. واعتقد أن تعامل دمشق مع السياسيين اللبنانيين بذهنية أمنية دون مراعاة التركيبة اللبنانية كان أمراً خاطئاً، مثلما كان التعاطي اللبناني مع دمشق على طريقة "أنا وليس الوطن" كان ايضاً خاطئاً. الخطيئة الكبرى أننا لم نترجم العلاقة بين البلدين الى علاقة اقتصادية على غرار العلاقة الاجتماعية بين الدولتين حيث أن هناك 28 في المئة من اللبنانيين لديهم صلات قربى مع عائلات سورية، وحيث أن الحدود المشتركة بين البلدين تبلغ 377 كيلومتراً.
للأسف فاننا لم نستفد من المرحلة الماضية لقيام اي عمل مشترك بين لبنان سوريا، فلم ننشىء لا مستشفى ولا معملاً. السوريون كانوا يريدون الموضوع الأمني بالدرجة الأولى، واللبنانيون كانوا يفتشون عن مصلحتهم الخاصة.
* المسؤولون عن هذا الواقع، هل هم الأشخاص الذين تولوا المسؤولية في بيروت ودمشق؟
- نعم لأنه لا يمكن أن تحمل المسؤولية للمواطنين اللبنانيين والسوريين.
* من المعروف أنك صديق شخصي للرئيس بشار الأسد وتزوره باستمرار، أحياناً في العلن وأحياناً في السر. لماذا لم تكن تصارحه بهذه الشوائب والثغرات بدلاً من مجاملته كما كان يفعل معظم السياسيين اللبنانيين الذين كانوا يزورون دمشق؟
- أنا فخور بالعلاقة التي تربطني بالرئيس بشار الأسد ولكن لا تكون العلاقة ابداً بين بلدين ودولتين مرتكزة على علاقة شخصية بين شخصين. أنا أكرر القول أنني أتمنى أن ترتقي العلاقة بين لبنان وسوريا الى درجة العلاقة بيني وبين الرئيس الأسد، من صداقة واحترام متبادل. ولم اقبل يوماً أن تتقدم علاقتي مع الرئيس الأسد على مصلحة لبنان وهو يعرف ذلك. انني اضع دائماً نصب أعيني مصلحة لبنان، ودائماً في لقاءاتنا كنت اقول الراي الصادق لأنه تهمني مصلحة لبنان، وأحياناً كثيرة كنت ارى تفهماً من الرئيس السوري لهذه المواضيع.
* يقال أنه لولا صداقتك الشخصية الحميمة مع الرئيس بشار السد لما فتحت أمامك أبواب السلطة في لبنان منذ العام 1998؟
- إن تعييني وزيراً في العام 1998 كان نتيجة معرفتي بالرئيس اميل لحود وعلاقتي بالرئيس سليم الحص، الذي أورد في مذكراته أنه وضعني في خانة علاقتي مع الرئيس بشار الأسد. كل هذه المعطيات وضعت في مكان معين وصدرت أول اطلاله لي في العمل العام.
* يبدو أن علاقتك مع الرئيس الأسد لم تخدمك حيث ورد أن موظفين يعملون في شركة الهاتف الخلوي التي تملكونها في دمشق قد ابعدوا أو تم التضييق عليهم؟
- في السنة الأولى لوجودهم في الشركة امتلك الموظفون اقامة في سوريا واجازة عمل. وبعد السنة الأولى قيل لهم أن لا لزوم لاجازة العمل طالما أنهم يعملون مع مؤسسة عامة. وأخيراً دققت الشرطة في ملفات 300 لبناني يعملون في سوريا ورحّلتهم بسبب عدم حيازتهم اجاز العمل. وبعد ثلاثة ايام عادوا الى العمل بشكل طبيعي بعدما أعيد اعتبار أن لا لزوم لاجازة علم وأعطت الحكومة السورية فترة شهر لكل اللبنانيين لتنظيم وضعهم القانوني في سوريا.
* المقصود أنك لم تستطع من خلال صداقتك حماية موظفيك؟
- أنا لا استعمل صداقتي لحماية أحد إذا كان هناك خطأ، أما إذا لم يكن هناك خطأ فالمسالة تعود طبيعية.
* كم شركة تملك في سوريا؟
- شركة واحدة بمشاركة مجموعة سعودية كبيرة في مجال الهاتف الخلوي.
* لو لم تكن على علاقة ممتازة مع الرئيس الأسد هل كنت أعطيت هذه الفرصة؟
- عندنا حوالي خمسة ملايين مشترك في العالم في الهاتف الخلوي وحوالي ثلاثة آلاف موظف في العالم، وشركات في 12 دولة، وبالتالي فاننا تقدمنا للمناقصة في سوريا مستندين الى خبرة في هذا المجال.
* أعطيت لك افضلية على سواك؟
- لا أنكر هذا الأمر ولكن أعطينا الحق لأننا نستحقه عن جدارة.
* طالما دمشق لها الفضل السياسي وغير السياسي عليك، لماذا لم تدافع عنها كما يجب في وجه الحملة الشرسة التي تعرضت لها مؤخراً في لبنان؟
- أنا من السياسيين القلائل الذين لم يتغير خطابهم السياسي بالنسبة لسوريا منذ دخلت العمل العام حتى اليوم. وأحياناً كنت ألام في مرحلة التواجد العسكري السوري بأن خطابي السياسي لم يكن قاسياً جداً. ان خطابي السياسي نابعاً من المصلحة اللبنانية التي تقضي أن نكون على علاقة ممتازة ومميزة مع سوريا. وأنا لا أزال اقول أن هذه العلاقة يلزمها اصلاح، وما قام به الرئيس فؤاد السنيورة يجب استكماله بخطوات اصلاحية من خلال انشاء مؤسسة. وعندما كان السوريون في لبنان قلت أن المجلس الأعلى اللبناني- السوري الحالي يجب اعادة النظر بتركيبته وأن ينقسم الى مديريات على غرار الاتحاد الأوروبي وأن تكون العلاقة اللبنانية السورية نموذجية. ويجب أن يكون التنسيق مع سوريا كاملاً في مسالتين هما الأمن والسياسة الخارجية.
* حسب جريدة السفير فان دمشق أبلغت السنيورة أنها غير مرتاحة الى التدخل الأجنبي في الشؤون اللبنانية وأنها لا تثق كثيراً في التدخل السياسي الذي يقوم على الأغلبية النيابية المعروفة. الى اي حد تعتقد أن الهواجس السورية هي في محلها؟
- ليس عندي معلومة غير التي قرأتها في الصحف بعد زيارة الرئيس النسيورة لدمشق.
* الم تزر دمشق بعد خروجك من الحكم؟
- نعم زرتها.
* من التقيت؟
- الرئيس بشار الأسد.
* كانت زيارة معلنة؟
- كلا لأنني غالباً ما اقوم بزيارات صداقة وليس ضرورياً أن أعلن عنها.
* ماذا بحثت معه؟
- الأمور العامة في المنطقة وتحدثت مطولاً عن عدة مواضيع تتعلق بالوضع في لبنان والمنطقة.
* كيف كانت نظرة الرئيس الأسد الى لبنان بعد كل هذه التحولات الدراماتيكية التي شهدها؟
- هناك جرح، وأنا أنادي دائماً ببلسمته لمصلحة لبنان.
* مسؤولية مداواة هذا الجرح تقع على عاتق اللبنانيين أم السوريين؟
- المطلوب عمل مشترك. وفي مرحلة ما قلت أنه يوجد حقد لبناني على سوريا وحرد سوري على لبنان. وهاتان الحالتان النفسيتان يجب إزالتهما وليس لدينا خيار سوى العودة للجلوس معاً لأن هذا هو الأفضل للبلدين.
* هل شعرت أن الرئيس السد بات متقبلاً فكرة أن جيشه خرج من لبنان وأن نفوذ دمشق قد تلاشى الى حد ما؟
- الرئيس الأسد هو الذي إتخذ القرار باخراج جيشه من لبنان في خطابه أمام مجلس الشعب.
* هل هناك رغبة بالثأر نتيجة ما حصل؟
- ليست هناك ذهنية ثأر والرئيس الأسد بأدائه السياسي لا يتعامل بمنطق الثار ومن يتعامل بالسياسة بمنطق الثأر فهو خاسر حتماً. استقبال الرئيس السنيورة في دمشق ولقائه مع الرئيس الأسد كان جيداً.
* كيف تفسر أزمة الشاحنات على الحدود ويبدو اليوم أنها تجددت؟
- حسب معلوماتي أن الأمور مسهلة. وكما تذكر فانني قلت في أحد تصاريحي أن ظاهر الأزمة أمني ولكن باطنها الله وأعلم.
الوزير فاروق الشرع في مؤتمره الصحافي مؤخراً قال أن الأزمة طابعها أمني ولكن بعدها سياسي، وبالتالي هذا هو الباطن الذي قلت عنه "الله وأعلم".
* لكن العلاج الجذري هو سياسي بالدرجة الأولى؟
- سياسي ولكن ضمنه العامل الأمني.
* بعد القرار 1559 صدر فجأة القرار 1614. هل تتوقع ازدياد الضغوط الدولية على بيروت في المرحلة المقبلة من أجل تنفيذ هذين القرارين؟
- طبعاً أتوقع ازدياد الضغوط وهذا الأمر يقال بوضوح. وأي قراءة لأي تصاريح واي مواقف لمسؤولين في المجتمع الدولي وكل المؤسسات الدولية تؤكد على ذلك بدليل آخر زيارة قام بها ممثل الأمم المتحدة في لبنان أمس الى المسؤولين اللبنانيين حيث صرح بذلك علناً.
* برأيك ما هو الشكل الذي ستتخذه هذه الضغوط؟
- سيبقى الضغط قائماً على غرار ما هو وارد في القرار 1559. ورغم كل الضغوط الدولية علينا كلبنانيين أن نشكل المناعة اللازمة لعدم الافساح في المجال لأي ثغرة دولية وأي ضغط دولي. فبقدر ما نختلف بقدر ما نضعف ونفسح المجال لنفاذ اي ضغط دولي وبالتالي يجب علينا أن نجري كلبنانيين حساباً لكلفة أي خطوة ونشكل مناعة اساسية لتجاوز هذه المرحلة. ويجب أن نجري تقويماً دقيقاً لعمل المقاومة وانجازاتها انطلاقاً من أنها خيار أساسي بالنسبة إلينا.
* أنت مع الابقاء على سلاح المقاومة، نعم أم لا ؟
- نعم، ولكن أنا أعتبر أن شرعية أي موضوع هي في جدواه.
* هل هناك جدوى من عمل المقاومة؟
- طبعاً وقد ظهرت الجدوى سابقاً من خلال تحرير الجنوب.
* هل هناك جدوى الآن؟
- أولاً هناك عمل تاريخي تبينت جدواه واليوم هناك جدوى ولكن أتمنى أن يفتح الحوار وأن يكون هناك اجماع لبناني على طريقة استعمالها هذا السلاح وجدواه لكي لا نفتح اي ثغرة للقرارات الدولية بالنفاذ.
* ماذا عن السلاح الفلسطيني؟
- لا ارى جدوى من هذا السلاح، لا للدفاع عن الفلسطينيين ضد اسرائيل ولا لحماية الفلسطينيين في لبنان.
* أنت مع سحب هذا السلاح؟
- ان حكومتنا كانت من أكثر المتعاطفين مع الفلسطينيين من خلال اعطائهم حق العمل في 74 مهنة. وأنا مقتنع أن هذا الأمر لن يؤدي الى التوطين الذي نرفضه تماماً، والأفضل، للمواطن الفلسطيني في المخيمات أن يحمل الازميل والمنشار من أن يحمل السلاح.
* هناك وجهة نظر تقول أنه بعد مجازر صبرا وشاتيلا اصبح الفلسطيني حريصاً على التمسك بسلاحه، في ظل غموض افق الوضع في المنطقة.
- عندما نستذكر الذكريات السيئة في مجازر صبرا وشاتيلا تعود الى بالنا صفحات مريرة لا يمكن نسيانها، ولكن أعتقد أن الفلسطينيين في المخيمات اليوم يعرفون أن محيطهم في لبنان لا يكن لهم اي عداء؛ وبالتالي فالسلاح الفلسطيني لا فائدة له لحمايتهم من اللبنانيين، ولا يستطيع حمايتهم من الاسرائيليين وبالتالي فان مشروعية أي سلاح هي في جدواه.
* هل ترى محاولة لتهريب مضمون القرار 1559 من خلال القرار 1614؟
- القرار 1614 هو براي صورة أخرى عن القرار 1559.
* هل ترى تقاطعاً بين القرارين؟
- طبعاً فهما يكملان بعضهما البعض.
* القرار 1614 يدعو الى نشر الجيش في الجنوب ووقف العمليات عبر الخط الأزرق؟
- القرار 1559 شيء والقرار 1614 شيء آخر مكمل له، خصوصاً في الجزء المتعلق بنشر الجيش في الجنوب ووقف عمليات المقاومة.
* الموقف اللبناني يشكل عنصر ممانعة أمام تنفيذ البند المتعلق بنزع سلاح المقاومة وربما لذلك يحاول المجتمع الدولي الدخول عبر نافذة أخرى؟
- قبل الممانعة يجب توفير المناعة اللبنانية.
* هذا شعار جديد؟
- المناعة هي شرط الممانعة. فإذا اصاب اي عضو في الجسم اي خلل فان كل الجسم يتأثر.
* هل عندنا مناعة اليوم؟
- نحن ندعو الى الحوار. ففي احدى المرات طرح السيد حسن نصر الله قيام حوار لبناني ولذلك أنا أدعوه مجدداً اليوم الى أن يكون السباق في طرح حوار جديد يوصل الى اجماع لبناني على مسألة سلاح المقاومة، وعندها أنا متأكد أن أحداً لا يمكنه اختراق الجدار اللبناني.
* ربما البعض يريد الحوار على المقاومة وليس مع المقاومة؟
- الى متى سنبقى نشكك ونخوّن بعضنا البعض؟
* هذا ليس تخويناً؟
- بل هو تخوين.
* البعض يقول صراحة أنه يجب نزع السلاح؟
- الأفضل أن نقترب من هؤلاء الناس لكي نزيل الألغام الموجودة لديهم. ولا أعتقد مثلاً أنني كنجيب ميقاتي حريص أكثر من ميشال عون على لبنان، وبالتالي يمكن أن نلتقي ونتحاور بدل أن نطلق الاتهامات والتخوين من دون فائدة. أنا لا أقبل أن أصنف نفسي لبنانياً ووطنياً أكثر من اي لبناني آخر، فنحن جميعاً لدينا الغيرة ذاتها على وطننا.
* هذا موقف مبدئي لكن ألا تسمع المواقف التي تطالب بالحوار من أجل نزع سلاح المقاومة وليس ايجاد صيغة تحمي السلاح؟
- لهذا السبب دعوت السيد حسن نصر الله أن يطرح بداية مشروع حواري، وهو سبق له وطرح عدة مبادرات في هذا الاطار. أتمنى أن يطرح هو نفسه مبادرة حوارية، حتى لا يطرح أي طرف آخر مبادرة من النوع الذي تسأل عنه أنت.
* أليس مجلس الوزراء هو المكان المناسب لاجراء هذا الحوار؟
- إذا كان مجلس الوزراء سيغرق في البيان الوزاري للحكومة فهو كي يستطيع القيام باي حوار. أنا مع أن يقوم مجلس الوزراء بالحوار وأن يتقاسم العمل فريقان، فريق يعمل بالسياسة ولا يغرق نفسه بالتفاصيل الادارية في مقابل فريق يتولى الشؤون الادارية. أنا مع قيام فريق سياسي يتولى الجمع بين المواقف لأنني لا أعتبر أن كلمة مصالحة تنطبق على الواقع لأن الخلافات الحاصلة في الراي لا تعني وجود خصومات كبيرة. فالعماد ميشال عون عندما كان في باريس زاره النائب وليد جنبلاط. هناك وجهات نظر مختلفة يجب أن تتقارب لما فيه المصلحة اللبنانية العليا.
* ما هو موقفك من الدعوات للعفو عن عملاء اسرائيل المغادرين الى الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
- أنا مع حرية كل انسان في أن يطالب بما يريد وإذا نظرنا الى موضوع اللبنانيين الذين ذهبوا الى اسرائيل لتبين لنا أن العدد الاجمالي لهؤلاء كان 7800 شخص عاد منهم 5 آلاف وبقي هناك 2800 شخص. وكما جرى حل قضية الدفعة الأولى يمكن حل قضية القسم الباقي.
* كيف؟
- إذا كانت هناك عائلات اضطرت الى الذهاب بسبب الخوف فأنا مع عودتها لأنهم لبنانيون ويجب أن أكون معهم.
* ماذا بالنسبة الى رموز العملاء؟
- يجب محاكمتهم حسب القوانين المرعية الاجراء. ولا وجود في هذا السياق لكلمة عفو.
* كيف تفسر إثارة هذه القضية في هذا التوقيت بالذات؟
- أنا مع مبدأ أن يقول الانسان حرية موقفه ولكن لست مع مبدأ الجدال الذي لا يوصل الى نتيجة.
* هل تستطيع عزل هذا الموضوع عن المناخ الدولي القائم؟
- أنا مع استيعاب هذا الموضوع وامتصاصه.
* لكن أنت ضد العفو عن العملاء المعروفين بارتكاباتهم؟
- قرأنا في احدى الصحف أن أحد اللبنانيين انخرط في صفوف الجيش الاسرائيلي، فهذا الشخص كيف يمكنني أن أعفو عنه. أما من ذهب الى اسرائيل خوفاً فله الحق في العودة. في تاريخ الاسلام ورد ذكر كثيرين اضطروا الى شتم النبي عليه السلام وعندما أخبر أحد الأشخاص النبي عليه السلام أن شيخ قبيلة طلب أن يشتمه، أجابه النبي عليه السلام وكيف كان قلبك، فأجابه هذا الشخص أن قلبه كان مليئاً بالايمان. فأعقب النبي عليه السلام بالقول اذهب بسلام.
هل يمكنني أن أمنع أماً تحمل طفلها بين يديها من أن تذهب الى الأمان.
* المشكلة أن البعض يبالغ في التركيز على البعد الانساني لهذه القضية ويتجاهل حقيقة الارتكابات التي نفذها الكثيرون من العملاء؟
- الموضوع الانساني يجب حله، اما موضوع العملاء فهو في يد القضاء. حتى الطرف الذي اقترح حل هذه القضية لم يقل ابداً بالعفو عن العملاء.
* كيف قرأت بيان "تنظيم القاعدة في بلاد الشام" الذي هدد باغتيال عدد من القيادات الشيعية اللبنانية؟
- من ينظر الى الوضع في المنطقة ككل من العراق وفلسطين يعرف حجم التهديدات التي يمكن أن تنعكس على لبنان الذي كان دائماً انعكاساً لهذه المخططات التاريخية في المنطقة. نحن نعرف ما هو المشروع الاسرائيلي للمنطقة المرتكز على تفتيت المنطقة واثارة الفتن والاشتباكات بين كل الأطراف لاضعافهم ولتبق اسرائيل هي المسيطرة. وبالتالي فهذا البيان اقرأه انه بيان جديد للفتنة. وأنا لا أعتقد أنه يوجد مسلم يقبل بهذا الأمر خاصة أننا كمسلمين ننادي بوحدة لبنان وأعتقد أن وحدة المسلمين هي اساس لوحدة اللبنانيين. وإذا عدنا الى القرآن الكريم والسنة النبوية لوجدنا آية تقول "اعتصموا بحبل الله جميعاً" و "اتبعوا الله ورسوله".
ما من سلم الا ويدرك أن طاعة الله هي أساس وحدتنا. ويجب أن نتوحد أكثر فأكثر وندرك أننا لم ننجز ونقوم بكل الفتوحات الا بوحدتنا. لم تفز المقاومة في الجنوب الا بوحدتنا. وبالتالي أنا حريص جداً على هذه الوحدة التي هي باب لوحدة اللبنانيين.
* هل تعتقد أن هذا البيان يحمل بالفعل بصمات تنظيم القاعدة أم أنه مفبرك من قبل أجهزة مخابراتية لبث الفتنة بين المسلمين.
- لا يمكنني أن أقيم هذا الموضوع وإذا كان بالفعل يحمل توقيع تنظيم القاعدة أقول له أن الاخلاص للمسلمين هو بابعاد هذه المكائد عنا.
* العلامة السيد محمد حسن فضل الله يقول أن جهات تعمل لتفخيخ الواقع الاسلامي؟
- أنا اؤيد وجهة النظر هذه ولكن آمل أن يبقى المسلمون مطيعين لله ورسوله بالوحدة الضرورية في هذه المرحلة وكل المراحل.
* في حوار مع صحيفة "القبس" أكدت أنك بصدد انشاء تيار سياسي أو حزب، أين أصبح الموضوع؟
- لا يزال قيد الدرس، لأن الحزب يحتاج الى فكر ايديولوجي وأنا بطبيعتي وعملي اللبناني قريب من كل الفرقاء. نحن في حالة مناقشة لهذا الموضوع توصلاً الى التقرير بين عدة افكار منها انشاء تيار أو حزب.
* هل هذا المشروع هو لملء الفراغ الذي ستمر فيه حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة؟
- حتى الآن لم أشعر باي لحظة فراغ. فأنا عادة من الأشخاص الذين يحبون القراءة ولكن لم يتسن لي بعد أن أجد متسعاً لها، لأنني في حركة مستمرة داخلياً وخارجياً، علماً أنه ليس من العيب أن ينشىء الانسان تياراً أو حزباً.
هل يتسع البلد لهذا العدد من الأحزاب والتيارات؟
- طبعاً يتسع. بالأمس قال الوزير الصديق غازي العريضي أن كلمة صباح الخير مسييسة في لبنان وبالتالي فانا اقترح أن ننشىء مع غازي "حزب صباح الخير" مع بقائه في الحزب التقدمي الاشتراكي.
هل عندك من الشعبية ما يكفي لانشاء تيار؟
- أعتقد أنني أمثل معظم اللبنانيين في العمل العام. وليس ضرورياً أن تكون نائباً لكي تمثل المواطنين وبالتالي فان اي قرار تأخذه الحكومة أو متابعته تنعكس ليس فقط على 128 نائباً بل على اربعة ملايين لبناني. وأعتبر أن علي دور يجب القيام به في أن أكون نموذجاً لكيفية تعاطي المواطن الشأن السياسي.
* كيف هي علاقاتك الشمالية؟
- جيدة مع الجميع.
* مع الرئيس عمر كرامي؟
- ليس هناك علاقة.
* متى ستتم المصالحة الحقيقية بينك وبينه؟
- الخلاف حصل خلال الانتخابات وبسبب انتقادي لأحادية القرار في طرابلس وأعتقد أنني نجحت في مهمتي وهناك تعددية في الآراء.
* يبدو أن طرابلس اصبحت في قبضة شخصية من خارج الشمال؟
- إذا كنت تقصد السيد سعد الحريري فطبعاً لتيار المستقبل وجود جيد في طرابلس.
* هل توافق على قول الرئيس كرامي أن هناك غزواً لطرابلس في سبيل القبض على قرارها؟
- ان تيار المستقبل موجود في طرابلس عبر طرابلسيين، كآل الجسر الكرام وهم من أعرق العائلات في طرابلس.
* النائب سعد الحريري صعد الى طرابلس وأدار المعركة من هناك؟
- صحيح أنه أدار المعركة من الشمال، لكن أهل طرابلس انتخبوا من يريدون.
* هل تعتبر أن قرار طرابلس هو الآن خارجها؟
- لا أعتقد ذلك. في تركيبة تيار المستقبل هناك السيد سعد الحريري وممثلون له في طرابلس يعرفون نبض الشارع الطرابلسي ومطالب الناس.
* النائبان مصباح الأحدب ونائلة معوض كان لهما موقف شهير في مجلس النواب حيث وافقا على تسميتك مكرهين. ما المشكلة بينكم؟
- انهما لم يسميانني بل أعطياني الثقة.
* مكرهين؟
- ربما بعد الأداء الذي قمنا به يكونا قد رضيا.
* النائب سليمان فرنجيه؟
- أنه أخ وصديق.
* هل حزنت لأنه خسر الانتخابات؟
- طبعاً. ونحن بحاجة اليوم الى أشخاص من الطائفة المارونية لديهم هذا البعد العربي. والأيام ستبين برأيي مدى الخسارة التي حصلت.
* يقال أنك أجريت في مجلس الوزراء مصالحة بين الدولة وشركة فرانس تيليكوم، اي مصالحة بينك وبين نفسك؟
- في خلال تولي رئاسة الحكومة كنت أسمع صدى أمور معينة ولكن لم أكن أرد عليها. ومن هذه المسائل ما قيل عن مصالحة أجريناها بشأن النزاع بين الدولة وشركة الهاتف الخلوي. هذا الموضوع لم يعرض على مجلس الوزراء ولم أجر اي مصالحة. وقد رفضت أن يحكى في الموضوع في مجلس الوزراء رغم طلب الوزير المختص اثارته من خارج جدول الأعمال وكلمتي في هذا الصدد موجودة في محضر الجلسة وخلاصتها أنني كرئيس للحكومة لا أسمح باجراء هذه المصالحة بهذه المرحلة لأن اي مصالحة ستضيع كل انجازات الحكومة. لكن البعض أحب ربما أن يستمر في المشاغبة في هذا الموضوع. الانسان قد يسمع في حياته الكثير ولكن عليه أن يضع لائحة بالأولويات ويحدد كلفتها ويحسن الانطلاق لتحقيق أهدافه.